دين النظافة والتجمل وقبل أن يعنى الإسلام بالزينة وحسن الهيئة وجه عناية أكبر إلى النظافة، فإنها الأساس لكل زينة حسنة، وكل مظهر جميل. وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "تنظفوا فإن الإسلام نظيف".
(النظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة). وحث عليه السلام على نظافة الثياب، ونظافة الأبدان، ونظافة البيوت، ونظافة الطرق، وعني خاصة بنظافة الأسنان، ونظافة الأيدي، ونظافة الرأس. وليس هذا عجبا في دين جعل الطهارة مفتاحا لأولى عباداته وهي الصلاة؛ فلا تقبل صلاة من مسلم حتى يكون بدنه نظيفا، وثوبه نظيفا، والمكان الذي يصلي فيه نظيفا، وذلك غير النظافة المفروضة على الجسد كله، أو على الأجزاء المتعرضة للأتربة منه، المعروفة في الإسلام بالغسل والوضوء. وإذا كانت البيئة العربية بما يكتنفها من بداوة وصحراء قد تغري أهلها أو الكثيرين منهم بإهمال شأن النظافة والتجمل، فإن النبي عليه السلام ظل يتعهدهم بتوجيهاته اليقظة، ونصائحه الواعية، حتى ارتقى بهم من البداوة إلى الحضارة، ومن البذاذة المزرية إلى التجمل المعتدل. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه الرسول -كأنه يأمره بإصلاح شعره- ففعل، ثم رجع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟". ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا رأسه أشعث، فقال: "أما وجد هذا ما يسكن به شعره؟". ورأى آخر عليه ثياب وسخة، فقال: "أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟". وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوب دون. فقال له: "ألك مال؟ قال: نعم. قال: من أي المال؟ قال: من كل المال قد أعطاني الله تعالى. قال: فإذا آتاك الله مالا، فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته". وأكد الحث على النظافة والتجمل في مواطن الاجتماع مثل الجمعة والعيدين فقال: "ما على أحدكم -إن وجد سعة- أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة غير ثوبي مهنته". الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة
الإسلام دين النظافة والطهارة
الإسلام يهتم اهتماما كبيرا بالنظافة ويأمر أتباعه بالنظافة الباطنية والظاهرية أو المعنوية والمادية، فيأمر المسلم أن يكون طاهر العقيدة لا يشرك بالله وأن يعبده وحده ولا يرائي في أعماله وأن يكون طاهر القلب يخلص له في عبادته سليم النية لا يكن الحقد والحسد وسوء الظن لأحد وأن يبتعد عن العجب والكبرياء وأن يكون نظيف المظهر نظيف الجسم والثياب نظيف المأكل والمشرب نظيف المسكن والمركب.
وقد جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مع أصحابه، فقال: يخرج عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فدخل رجل من الأنصار، نعله في شماله وماء الوضوء يقطر من لحيته وفي اليوم الثاني تكرر قول الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج الرجل نفسه، وفي اليوم الثالث تكرر قول الرسول، فوصل عبد الله ابن عمر إلى بيته فقال له: إن رأيت أن تضيفني فافعل فقال الرجل: نعم ورحب به فمكث عبد الله عنده ثلاث ليال فرأى الرجل ينام الليل فإذا انقلب ذكر الله ثم ينام فلا يستيقظ إلا لصلاة الفجر.
ولما انقضت الليالي أخبره عبد الله بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ثم سأله: ما رأيتك تزيد عنا في العمل فبم بلغت هذه المنزلة التي تحدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال الرجل: يا ابن أخي هو ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه ولم أبت ليلة ضاغنا على مسلم.
فهذا الرجل لم يكن قد نال تلك المرتبة العظيمة بكثرة الصلاة والصيام والصدقة فما كان يزيد عما أوجبه الله عليه وإنما نالها بنظافة سريرته الكاملة من جانب الخالق والمخلوق. والصلوات الخمس بالوضوء تطهر المسلم من كثير من ارتكاب المعاصي واقتراف السيئات. يقول عليه الصلاة والسلام: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا».
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب».
ومن أهم مظاهر النظافة الحسية للمسلمين: الوضوء الذي يغسل فيه المسلم وجهه ويديه ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه كل يوم خمس مرات وجعل الوضوء شرطاً من شروط الصلاة لابد منه لا تقبل صلاة بدونه، وهذه الميزة لا تكاد توجد في أي مجتمع. إذاً فالمسلم ملزم بالنظافة في كل يوم خمس مرات، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق وتخليل اللحية والأصابع حيث تتجمع الأوساخ.
ومن اهتمام الإسلام أيضاً بالنظافة: أنه أمر بالسواك وأكد في استعماله فإن كان الأطباء في الوقت الحاضر ينصحون كثيراً باستعمال معجون الأسنان قبل النوم وعند القيام منه ويؤكدون أن مرض الأسنان يسبب عدداً من الأمراض الباطنية والخارجية علاوة على سقوط الأسنان نفسها إذا لم يعتن بنظافتها تمام العناية.
فإن المسلمين قد سبقوهم بذلك لعدة قرون مضت وإن نبي الإسلام قد حث أمته على استعمال السواك في أوقات مناسبة متكررة في اليوم والليلة فيسن عند الوضوء وعند الصلاة وعند القيام من النوم وعند تغير رائحة الفم، فيقول عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء».
غزو الدول الأخرى هو الحل الإسلامي لمشكلة الفقر لن تصدق ما ستسمعه
الشيخ يعقوب يوقع على وثيقة الجهاد ويتراجع عن موقفه
رسالة خطيرة إلى كل بنت د / حازم شومان
الجهاد أو الجهاد في سبيل الله أو القتال في سبيل الله هو مصطلح إسلامي يعني جميع الأفعال أو الأقوال التي تتم لصد عدو ما أو لتحرير أرض ما أو لمساعدة أحد ما. جاء هذا المصطلح في بدء الإسلام عندما ذكر الله معركة بدر الكبرى في القرآن الكريم ثم تم تعميم هذ المصطلح ليشمل أي فعل أو قول يصب في مصلحة الإسلام لصد عدو ما يستهدم الإسلام فعلاً أو قولاً. هناك عدة نصوص في القرآن الكريم يستشهد بها حول هذه القضية : كتلك التي تدعو لنشر العدل، وتلك التي تأمر بالقتال للتصدي لأي هجوم موجه ضد الإسلام، وتلك التي تأمر بالحرب ولكن ليس ضمن فترة الأشهر الحرم الأربعة وتلك التي تأمر بالقتال في كل وقت. يجب أن تأخذ بالحسبان قواعد (النسخ) والتي تحكمها قواعد فقهية.
والجهاد مراتب منها ما هو واجب على كل مكلف، ومنها هو واجب على الكفاية إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين، ومنها ما هو مستحب. فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كل مكلف، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة. قال ابن القيم :«إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب : جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.»
فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً : إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين. الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها. الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله. الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السماوات.[1]
شرح الكلمة الجهاد في اللغة : بذل الجهد والوسع والطاقة، من الجُهْد بمعنى الوُسع، أو من الجَهْد بمعنى المشقة وكلا المعنيين في الجهاد. وفي الشرع أو في اصطلاح القرآن والسنة، يأتى بمعنى أعم وأشمل، يشمل الدين كله؛ وحينئذ تتسع مساحته فتشمل الحياة كلها بسائر مجالاتها ولهذا يسمى حينئذ : الجهاد الأكبر. وله معنى خاص هو القتال لإعلاء كلمة الله وهذا يشغل مساحة أصغر من الأولى ولهذا سُمِّىَ الجهاد الأصغر.[2]
وكما يقول الدكتور عبد العزيز القاري :
«فإن الجهاد بمعناه العام يشمل حياة الفرد والمجتمع كلها بجوانبها المختلفة الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصراع فيه يشمل أعداء كثيرين يشمل النفس وشهواتها والهوى ووساوس الشياطين؛ شياطين الجن والإنس، ووساوس هؤلاء الشياطين على نوعين نوع هدفه زرع الشبهات وآخر هدفه اتباع الشهوات؛ ومكافحة الأول بنشر العلم والعقيدة الصحيحة، ومقاومة الثانى بنشر الفضائل والأخلاق الحميدة وموعظة الناس لتقوية إيمانهم. وكل هذا وذاك من الجهاد الأكبر.»
ولذلك فإن تسمية الأول بـالجهاد الأكبر صحيح المعنى، تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وإن لم يصح الحديث الوارد فيه بخصوصه.[3] ففي حصر مفهوم الجهاد في القتال خطأ في فهم الكتاب والسنة، فإن الجهاد فيهما جاء بمعنى القتال، وجاء بمعنى أكبر من ذلك وأشمل : قال تعالى :فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا قال ابن عباس رضى الله عنهما :«وجاهدهم به أي القرآن.[4]»
فالجهاد الكبير هنا ليس هو القتال، وإنما هو الدعوة والبيان بالحجة والبرهان، وأعظم حجة وبيان هو هذا القرآن، إنه حجة الله على خلقه, ومعه تفسيره وبيانه الذى هو السنة. وقال تعالى :يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ في هذه الآية ليس المراد بجهاد المنافقين القتال، لأن المنافقين يظهرون الإسلام ويتخذونه جُنَّة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتلهم بل عاملهم بظواهرهم، وحتى من انكشف كفره منهم كعبد الله بن أبى بن سلول لم يقتله سياسة منه، صلى الله عليه وسلم وقال :«لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.[5]» ولكن جهاد المنافقين يكون بالوسائل الأخرى، مثل كشف أسرارهم ودواخلهم وأهدافهم الخبيثة، وتحذير المجتمع منهم، كما جاء فى القرآن. وقال تعالى :وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ولاشك أن المراد بالجهاد هنا مفهومه الشامل المتضمن نوعيه الأكبر والأصغر، نقل ابن كثير عن ابن أبى حاتم بإسناده عن ابن عباس، قال فى تفسير هذه الآية :«الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون» فتفسير الآية (الذين جاهدوا فينا) أي جاهدوا في ذات الله أنفسهم وشهواتهم وأهواءهم وجاهدوا العراقيل والعوائق وجاهدوا الشياطين، وجاهدوا العدو من الكفار المحاربين، فالمقصود : الجهاد في معترك الحياة كلها، وفي حلبة الصراع الشامل.[2]
وفى السنة النبوية بين النبى صلى الله عليه وسلم أنواع الجهاد بمفهومه الشامل فقال :
«ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.[6]»
والمراد بجهاد القلب هنا هو بغضهم وبغض حالهم، التي هي عقيدة الولاء والبراء؛ بدونها لا يصير الإنسان مؤمناً ؛ سمى النبي صلى الله عليه وسلم فعل القلب هذا جهادًا، كما سمى فعل اللسان جهادًا، ومن باب أولى أن يسمى فعل اليد جهادًا؛ عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال :«جاء رجل للنبى صلى الله عليه وسلم فقال:أجاهد؟ قال : (ألك أبوان) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد).[7]» وأمثلة هذا من السنة كثيرة يسمى فيها بعض الأعمال الصالحة أو يجعلها بمنزلة الجهاد؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:«الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.[8]» وهكذا يتضح لنا مدى اتساع دائرة الجهاد، وأنها ليست محصورة في القتال، بل هى مرتبطة بمجالات الحياة كلها. وهكذا حتى عندما يكون هناك قتال صحيح مع العدو، فإن جهاد كل واحد بحسبه الطبيب بخبرته الطبية، وأهل الإغاثة بإغاثتهم، وأهل الإعلام بإعلامهم ، وأهل الأموال بأموالهم، ويبقى بقية في البلد يقومون بشؤونها ويخلفون المجاهدين في أهليهم بالخير والرعاية والحراسة، لتستمر عجلة الحياة في الدوران. والملاحظ أن بعض الناس نظر إلى الجهاد نظرة ضيقة فحصره في جانب القتال، وهذا قصور في فهم الشرع وفي فهم نصوص الكتاب والسنة.[2]
الأيام القادمة تحتاج إلى رجال جهز إبنك للشهادة لفضيلة الشيخ أبو إسحاق
نشأة الجهاد
فرض الجهاد في السنة الثانية من الهجرة ونادى لنشر العدل والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات بين الغني والفقير الحاكم والمحكوم القوي والضعيف الشريف والوضيع العالم والجاهل الحبر والراهب العابد والزاهد تحت شعار واضح وحديث:«لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمى على عربي ولا لأبيض على أسود. ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب.[9]» فلا عنصرية بغيضة ولا طبقية مقيتة. ويعبر القرآن عن ذلك بوضوح في قوله:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ أي يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله محمد كونوا قوامين بالحق, ابتغاء وجه الله, شهداء بالعدل, ولا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا, اعدِلوا بين الأعداء والأحباب على درجة سواء, فذلك العدل أقرب لخشية الله, واحذروا أن تجوروا.
إن الله خبير بما تعملون, وسيجازيكم به. كما يفرض الإسلام على الأغنياء دفع جزء من أموالهم - الزكاة على المسلمين أو الجزية على غير المسلمين - ليتم توزيعه على فقراء الناس وضعفائهم وحرم أكل أموال الناس بالباطل من النهب والسلب أو من الربا أو من الغش أو الخداع. وكل هذه القيم والمبادئ قد تتعارض تماماً مع مصالح بعض الطغاة والجبابرة الذين استذلوا الناس واستعبدوهم، فأعلنوا عداوتهم للإسلام والمسلمين فكان لزاماً على المسلمين من إعداد العدة لمواجهة تلك المخاطر - حتى لا يؤخذوا على غرة - فأمرهم ربهم بذلك:وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
ولما كانت رسالة محمد للناس كافة فكان لزاماً عليه السعي لرفع هذا الظلم عن الناس كافة ومواجهة هؤلاء الطغاة في أي مكان ومهما كلف الثمن فكان فرض الجهاد على المسلمين لتحقيق مقاصد الدين السامية، ليوصل الإسلام لأهل البلد التي رفض حكامها على الدعوة إلى الإسلام في بلادهم وأعلنوا الحرب على الإسلام, فكان الجهاد على من حارب الإسلام, لا يهم أن يدخل الناس في دين الإسلام ولكن المهم أن ينعموا بالعدل والأمن تحت حكمه:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
الأصل في فقه الفتوحات الإسلامية هو تبليغ دين الله للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعريفهم كذلك بقيمه ورسالته العالمية دون حرب أو اعتداء، ولكن حين يمنع المسلمون قهراً من القيام بواجب التعريف بدينهم، ويوم يحال بينهم وبين التعريف برسالته العالمية الإنسانية وبعد رفض الأسلوب السلمى في توصيل أمور الدين إلى غير المسلمين في هذه البلد، فإن الإسلام قد رسم للمسلمين منهجاً واضحاً في التعامل مع حالات المنع التي تواجههم في سبيل تبليغ رسالة ربهم، كما يلي[10] :
إن جاء المنع مقروناً بإعلان حالة الحرب على المسلمين ومباشرة القتال معهم، فالحكم في مثل هذه المسألة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا» ومع مثل هذه الحالة تطبق كل القواعد والأعراف، وكل الجزاءات والضوابط والآداب المتعلقة بحالة الحرب، وفق القاعدة القرآنية :الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
وإن وقف الأمر عند حالة المنع، وعدم السماح للمسلمين بالاتصال بالناس بدون قتال أو اعتداء على المسلمين، فالحكم يكون باستخدام الحوار, والمجادلة معهم بالتي هي أحسن، مع الصبر والمصابرة، واستخدام كل الوسائل السلمية الممكنة مع الجهة الممانعة، حتى يفتح الله بينهم وبين المسلمين بالحق:فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾«29:46»
قال: أتى رجل رسول الله فقال: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله. قال: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله. ويدع الناس من شره. -- حديث صحيح
قال: سمعت رسول الله يقول: رباط يوم وليلة. خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان. -- حديث صحيح
جهاد المنافقين
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب : بالقلب واللسان والمال والنفس. وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان. وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى : باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقبله. فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق.[11][12] وقال الشيخ عبد العزيز بن باز :«الجهاد أقسام : بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها.[13]»
وجهاد الكفار باليد مر في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام قال ابن القيم :
«أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه (يا أيها المدثر قم فأنذر) فنبأه بقوله {اقرأ} وأرسله بـ{يا أيها المدثر}. ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح. ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال. ثم أمره أن يقاتل من قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله. ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة.[14]»
الجهاد باليد للكفار فرض على الكفاية قال ابن قدامة:
«والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم، سقط عن الباقين معنى فرض الكفاية الذي إن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس. فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم.[15]»
«سبق أن بينا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة، فإذا خرج منهم من يكفي : سلم الجميع من الإثم، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعاً. فعلى المسلمين في المملكة وإفريقيا والمغرب وغيرها أن يبذلوا طاقتهم، والأقرب فالأقرب، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين، وهم مستحقون للنصر والتأييد، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم ؛ لأنهم مظلومون، والله أمر بالجهاد للجميع، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم، وإذا تركوا ذلك أثموا، وإذا قام به من يكفي : سقط الإثم عن الباقين.[16]»
ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات : إذا حضر المسلم الجهاد, إذا حضر العدو وحاصر البلد, إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر, إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسده إلا هو. يقول الشيخ ابن عثيمين :
«يجب الجهاد ويكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال وهذا هو المواضع الأول من المواضيع التي يتعين فيها الجهاد ؛ لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} الأنفال/16 ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن التولي يوم الزحف من الموبقات حيث قال: اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها التولي يوم الزحف. متفق عليه إلا أن الله تعالى استثنى حالتين : الأولى أن يكون متحَرّفاً لقتال بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر. الثانية أن يكون منحازاً إلى فئة بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها، وهذه الحالة يشترط فيها : أن لا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خيف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى، فيكون في هذا الحالة فرض عين عليه لا يجوز له الانصراف عنه.
الثاني: إذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال ؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع ؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد، والدخول إليه، وما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم. الثالث : إذا قال الإمام انفروا والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة ولا يشترط أن يكون إماماً للمسلمين ؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً.[17]»
أين سيفك يا شيخ الأزهر لفضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني
المفهوم العام للجهاد
قال شيخ الاسلام ابن تيمية مبيناً المفهوم العام للجهاد ما نصه:«فالجهاد تحقيق كون المؤمن مؤمناً، ولهذا روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق، وذلك أن الجهاد فرض على الكفاية، فيخاطب به جميع المؤمنين عموماً، ثم إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين. ولابد لكل مؤمن من أن يعتقد أنه مأمور به، وأن يعتقد وجوبه، وأن يعزم عليه إذا احتيج اليه، وهذا يتضمن تحديث نفسه بفعله، فمن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو نقص من إيمانه الواجب عليه بقدر ذلك، فمات على شعبة نفاق.[18]»
وأما بالنسبة للحكم في جهاد العدوين الظاهر والباطن، فقد قال القاضي ابو بكر بن العربي:«قال علماؤنا رضي الله عنهم: جهاد العدو الظاهر فرض من فروض الكفاية وهم الكفار، وجهاد العدو الباطن فرض من فروض الأعيان، وهوالشيطان.[19]» وقال عبد الله بن عمر:«إن سبيل الله كل عمل صالح.[20]» وكذلك قال عباية بن رفاعة: «ادركني أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار.[21][22]» قال بدر الدين ابو محمد العيني:«مطابقته للترجمة من حيث أن الجمعة تدخل في قوله سبيل الله لأن السبيل اسم جنس مضاف فيفيد العموم، ولأن أبا عبس جعل السعي إلى الجمعة حكم الجهاد.»
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وانتظار الصلاة إلى الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط» وعن أنس بن مالك قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل الشهداء عند الله المقسطون.[23][24]» وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الساعي على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبيل الله.» ولذلك قال العلامة عبد الرحمن السعدي مبيناً هذا المعنى العام للجهاد:
«أليس التعلم والتعليم والصبر على ذلك من أكبر الجهاد، أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة للخلق من الجهاد؟ أليس تنفيذ الحق ونصره، ورد الباطل وقمعه من الجهاد؟ أليس تعليم الجاهلين، وتنبيه الغافلين، وايقاظ المعرضين، ومعارضة المعارضين، ومجادلتهم من الجهاد؟ هل تتم الأمور بدون الجهاد؟ وهل يستقيم الهدى والاهتداء ويحصل الصعود والارتقاء إلا بالجهاد؟ طوبى لأهل العلم، والدين والجهاد.[25]»
تكلم العلماء في نوعي الجهاد: الظاهر والباطن، لأهمية النوعين خصوصاً الباطن، حتى لا يمني العبد نفسه بما ليس في تناوله، وهو في الواقع قد أهلكه وأرداه عدوه الباطن. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:«وهذا في جهاد العدو الظاهر وهو جهاد الكفار، وكذلك جهاد العدو الباطن، وهو جهاد النفس والهوى، فإن جهادهما من أعظم الجهاد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد من جاهد نفسه في الله.» وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عن الجهاد:«ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها.» وقال بقية بن الوليد:«اخبرنا إبراهيم بن ادهم حدثنا الثقة عن علي بن أبي طالب قال: أول ما تنكرون من جهادكم جهادكم انفسكم.» ويروى من حديث سعد بن سنان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ليس عدوك الذي اذا قتلته ادخلك الجنة، واذا قتلته كان لك نوراً، اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.»
وقال ابو بكر الصديقلعمر حين استخلف:
«إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك. فهذا الجهاد يحتاج أيضاً إلى صبر، من صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه وحصل له النصر والظفر، وملك نفسه، فصار عزيزاً ملكاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غلب وقهر وأسر، وصار عبداً ذليلاً أسيراً في يدي شيطانه وهواه.[26]»
وقال ابو محمد عبدالله بن ابي مرة:
«الجهاد الأصغر وهو جهاد العدو، وكذلك الأمر في الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، وقد أشار مولانا جل جلاله لذلك بقوله (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) فمهما كبر الأمر جعل الفرج فيه أكبر، لأن أمر الشيطان والنفس أكبر، فجعل في الشيطان والظفر به نفس الملجأ كما أخبر عز وجل، وجعل في النصرة على النفس الأخذ في مجاهدتها على لسان العلم، فقال عز وجل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وجعل سبب العون على مجاهدتها حقيقة الاستعانة به عز وجل بقوله تعالى (إياك نستعين).[27]»
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان : إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان. الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات. فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى : وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات، والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.[1]
مضى بيان مفهوم الجهاد العام وهو تحقيق كون المؤمن مؤمناً، ومن أعظم ذلك العلم، فعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.[28]» وقال معاذ بن جبل:«تعلموا العلم فإن تعلمه لله حسنة، وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد.[29]»
لذلك قال شيخ الاسلام ابن تيمية معلقا على أثر معاذ «فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولابد في الجهاد من الصبر.[30]» وقال أبو الدرداء:«من رأى الغدو والرواح الى العلم ليس بجهاد فقد نقص عقله ورأيه.[31]» قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:«وكذلك من يشتغل بالعلم، لأنه أحد نوعي الجهاد، فيكون اشتغاله بالعلم كالجهاد في سبيل الله والدعوة إليه.[32].»
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي:«ومن اعظم الجهاد سلوك طريق التعلم والتعليم، فإن الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا يوازيه عمل من الاعمال، لما فيه من احياء العلم والدين، وارشاد الجاهلين، والدعوة الى الخير والنهي عن الشر، والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه.[33]» وقال العلامة محمد العثيمين:«إن المتفقهين في دين الله يوازون تماما المجاهدين في سبيل الله.»
فالمتفقه في دين الله وهو يتصفح كتبه ويحضر الى مجالس العلم هو كالذي يتفقد قوسه ورمحه مجاهدا في سبيل الله. والذي يعرض بصره وفكره وقلبه لادراك المسائل العلمية كالذي يعرض رقبته لأعداء الاسلام ليقاتلهم اعداء الاسلام حتى تكون كلمة الله هي العليا، ولست اقول ذلك مجازفة او محاباة لكم، ولكني اقول ذلك مستندا الى كتاب الله عز وجل، فقد قال الله تبارك وتعالى وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ فاللام في قوله (ليتفقهوا في الدين) ليست تعليلا للفرقة النافرة، ولكنها تعليل للفرقة الباقية (ليتفقهوا) أي القاعدون الذين لم ينفروا للجهاد، (ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون)، فأنتم الآن ومن في ميدان القتال سواء.[34]
القيام بالعلم وتحصيله ونشره هي وظيفة المرسلين وهو أفضل أنواع الجهاد، ولا شيء يعدل هذه الوظيفة، فضلاً عن حلاوتها التي يجدها القائمون بها. وكلام السلف كثير في تقرير هذا الأصل، قال أبو هريرة رضي الله عنه «لأن أعلم بابا من العلم في أمر ونهي أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله.[35]» وعن يحيى بن أبي كثير الأزدي قال:«سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن الجهاد، فقال: ألا أدلك على خير من الجهاد؟ فقلت: بلى، قال: تبني مسجداً، وتعلم فيه الفرائض والسنة والفقه في الدين.[36]»
وقال الحسن البصري:«ما من شيء مما خلق الله أعظم عند الله في عظيم الثواب من طلب علم، لا حج، ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صدقة، ولا عتق، ولو كان العلم صورة لكانت صورته أحسن من صورة الشمس والقمر والنجوم والسماء والعرش.[37]» وقال مسروق:«لأن أقضي يوما بحق أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله عز وجل.[38]»
وقال الإمام الشافعي:«ليس بعد الفرائض شيء أفضل من طلب العلم، قيل له: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله.[39]» وقال ابن المبارك لأصحابه وهو في الغزو «هل تعلمون عملاً أفضل من هذا؟ قالوا: لا نعلمه، قال: بلى أنا أعلمه، رجل متعفف محترف أبو عيال، قام من الليل، فوجد صبيانه مكشفين فغطاهم، وثار إلى صلاته.[40]»
وهذه النقولات الكثيرة دالة على توافق أئمة السلف في معرفة مقاصد الشريعة، ومن أعظم الأدلة على تفضيل العلماء على الشهداء، قوله تعالى (ومن يُطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)، فقد جعل الله منزلة العلماء فوق منزلة الشهداء في الجنة، والعلامة ابن بطال لما ساق قوله عليه السلام في جوابه لما سئل: أي الناس أفضل؟ فقال عليه السلام «مؤمن يجاهد في سبيل الله علق بقوله: ليس على عمومه، ولا يريد أنه أفضل الناس قاطبة، لأن أفضل منه من أوتي منازل الصديقين، وحمل الناس على شرائع الله وسنن نبيه، وقادهم إلى الخيرات، وسبب لهم أسباب المنفعة في الدين والدنيا، لكن إنما أراد عليه السلام أفضل عامة الناس، لأنه قد يكون في خاصتهم من أهل الدين والعلم والفضل والضبط بالسنن من هو أفضل منه.[41]»
وقال ابن بطال مبينا فضل العلماء على المجاهدين والشهداء:
«إن طلب العلم ينبغي ان يكون أفضل من الجهاد وغيره، لأن الجهاد لا يكون إلا بعلم حدوده وما أحل الله منه وحرم، ألا ترى أن المجاهد متصرف بين أمر العالم ونهيه، ففضل عمله كله في ميزان العالم الآمر له بالمعروف والناهي له عن المنكر والهادي له إلى السبيل، فكما ان أجر المسلمين كلهم مذخور للنبي عليه السلام من أجل تعليمه لهم وهدايته إياهم سبيل العلم، فكذلك يجب ان يكون أجر العالم فيه أجر من عمل بعلمه.[42]»
وقال أبو العباس القرافي في وجه تفضيل العلماء على الشهداء:«بسبب طاعة العلماء لله بضبط شرائعه، وتعظيم شعائره التي من جملتها الجهاد، وهداية الخلق إلى الحق، وتوصيل معالم الأديان إلى يوم الدين، ولولا سعيهم في ذلك من فضل الله تعالى لانقطع أمر الجهاد وغيره، ولم يبق على وجه الأرض من يقول: الله، وكل ذلك من نعمة الله تعالى عليهم.[43]»
الذب عن السنة وحراسة العقيدة، ورد بدع وضلالات اهل الاهواء، ونفي انتحال الغالين وتأويل الجاهلين افضل انواع الجهاد، والسر في ذلك ان الذب عن السنة حفظ رأس مال الاسلام،وهو مقدم على قتال المشركين لان فيه طلب ربح في الاسلام، كما قال الوزير ابن هبيرة.[44] وقال محمد بن يحيى الذهلي:«سمعت يحيى بن معين يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله، فقلت ليحيى: الرجل ينفق ماله، ويتعب نفسه، ويجاهد، فهذا افضل منه؟! قال: نعم، بكثير.[45]»
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية :«من الحكايات المشهورة التي بلغتنا أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الأمدي، وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا.ن[46]» قال الشيخ حامد الفقي معلقا «من الافرنج أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المائة السادسة.»
وقال ابن القيم:
«فالدعوة الى الله تعالى هي وظيفة المرسلين واتباعهم، وهم خلفاء الرسل في اممهم والناس تبع لهم، والله سبحانه قد امر رسوله صلى الله عليه ان يبلغ ما انزل اليه، وضمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من امته لهم من حفظ الله وعصمته اياهم بحسب قيامهم وتبليغ سنته الى الامة افضل من تبليغ السهام الى نحور العدو، لان ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، واما تبليغ السنن، فلا يقوم به الا ورثة الانبياء وخلفاؤهم في اممهم.[47]»
«الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين، من الكفاروالمنافقينوالملحدين وجميع أعداء الدين ومقاومتهم.[48]»
«الجهاد ينقسم اقساما ثلاثة: أحدها: الدعاء إلى الله تعالى باللسان والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتقدير والثالث: الجهاد باليد في الطعن والضرب. فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ولا عمر، أما أبو بكر فان أكابر الصحابة اسلموا على يديه، فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كثير حظ، وأما عمر فانه من يوم أسلم عز الاسلام وعبد الله علانية، وهذا أعظم الجهاد، وقد أنفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين اللذين لا نظير لهما، ولا حظ لعلي في هذا.
وبقى القسم الثاني، وهو الرأي والمشورة، فوجدناه خالصاً لأبي بكر ثم لعمر. بقي القسم الثالث وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد، ببرهان ضروري، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك عند كل مسلم في أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده صلى الله عليه وسلم إنما كان في أكثر أعماله وأحواله بالقسمين الاولين من الدعاء إلى الله عز وجل والتدبير والإرادة وكان أقل عمله الطعن والضرب والمبارزة لاعن جبن، بل كان أشجع أهل الأرض قاطبة نفساً ويداً، واتمهم نجدة، ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأعمال، فيقدمه ويشتغل به، ووجدناه يوم بدر وغيره كان ابو بكر لا يفارقه إيثاراً من النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك واستظهاراً برأيه في الحرب، وأنسا بمكانه، ثم كان عمر ربما شورك في ذلك، وقد انفرد بهذا الحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة.
ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد، الذي هو الطعن والضرب والمبارزة، فوجدنا عليا لم ينفرد بالسيوف فيه، بل قد شاركه فيه غيره شركة العيان، كطلحةوالزبيروسعد، ومن قتل في صدر الإسلامكحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، ومن الأنصارسعد بن معاذ، وسماك بن خرشة، يعني أبا دجانه، وغيرهما، ووجدنا أبا بكر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن، وأن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالافضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤازرته في حين الحرب، وقد بعثهما على البعوث أكثر مما بعث عليا، وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم، وبعث عمر إلى بني فلان، وما نعلم لعلي بعثاً إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه. فحصل أرفع الجهاد لأبي بكر وعمر، وقد شاركا علياً في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم.[49]»